عثمان بن عفان ( ٣ )
ـ رضي الله عنه ـ
كان عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ من الذين كلفهم النبي بكتابة الوحي ،
لذلك فهو من الأمناء الذين بلغوا الرسالة ،
يقول عن نفسه : " حبب إليّ من الدنيا ثلاث ،
إشباع الجيعان ، وكسوة العريان ، وتلاوة القرآن "
:: عثمان في غزوة أُحد ::
نعلم أن المسلمين انتصروا في بداية المعركة .. إلا أن الرماة عصوا أمر النبي ـ عليه السلام ـ
فانقلبت المعركة من انتصار إلى هزيمة
وكان عدد المشركين فيها ٣٠٠٠ ، بينما عدد المسلمين ٧٠٠
فاضطرب أمر المسلمين ، وهناك فئة من المسلمين انهزموا إلى قرب المدينة
وكان عثمان بن عفان من بينهم ..
ولم يرجعوا حتى انتهى القتال ..
وفئة صاروا حيارى وهم يسمعون إشاعة قتل النبي ،
وفرقة ثبتت مع النبي ـ عليه السلام ـ ..
أما الفرقة التي انهزمت وفرّت فقد نزل فيهم قوله تعالى
" إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان
ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم "
ولذلك فإن الشيعة استغلوا هذا الموقف ليقولوا ما قالوا عن عثمان ،
ونحن نقول ، عثمان معذور ، فقد شاع خبر قتل النبي ـ عليه السلام ـ
وكلنا نعلم أن غزوة أحد كانت في السنة الثانية من الهجرة ،
وكان المسلمون فيها ضعفاء حيلة وسلاح !
أما في غزوة الخندق فقد تواجد فيها ، ولكن لم يحدث قتال ..
وقد استخلفه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ
على المدينة في غزوة ذات الرقاع و غزوة غطفان ،
يقوم فيها بتصريف أمور المسلمين !
<>
<>
:: صلح الحديبية وبيعة الرضوان ::
واختيار عثمان سفيراً
من أروع القصص الفدائية التي سمعنا عنها في التاريخ الإسلامي ،
والتي كان لعثمان الدور الأبرز فيها ..
حيث خرج النبي ـ عليه السلام ـ مع أصحابه ـ رضوان الله عليهم جميعا ـ
إلى الحرم معتمراً في السنة السادسة من الهجرة ..
وليس معهم من السلاح إلا السيوف ،
وساقوا معهم الهدي ( الذبائح )
ليظهروا حسن نيتهم ويعلموا أهل مكة
أنهم جاءوا حاجّين إلى البيت وزائرين له ،
ولم يأتوا لحرب أو قتال !
فما إن وصل الخبر إلى قريش .. إلا وهي تفور غضباً ،
كيف تجرأ المسلمون على القدوم إليهم في عقر دارهم ؟
فقرر رجال قريش منع المسلمين من الدخول ، وتعاهدوا على ذلك
وخرجت خيلهم بقيادة خالد بن الوليد [ قبل إسلامه ]
لمنع النبي من دخول مكة !
وتعجب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من وقوف قريش في وجه من قصد الكعبة ،
حيث لم يكن هناك أحد يُمنع من دخول الحرم من أي مكان كان مقدمه !
فقال للقوم : أشيروا عليّ أيها الناس !
فقال أبو بكر : يا رسول الله ، خرجت عامدا لهذا البيت ، لا تريد قتل أحد
ولا حرب أحد ، فتوجه له ، فمن صدّنا عنه قاتلناه !
فقال : امضوا على اسم الله .
وسار بناقته بطريق غير الطريق التي خرجت منها قريش ..
وبينما الركب يسير ، بركت الناقة التي يركبها نبي الله في مكان قريب من مكة
يُسمى الحديبية ،
فقال الصحابة : خلأت القصواء ( اسم الناقة )
فقال النبي : ما خلأت القصواء وما ذلك لها بخلق ، لكن حبسها حابس الفيل .
فعلم رسول الله أن الله ـ تعالى ـ لا يريد له دخول مكة
ولا الصدام مع قريش في ذلك الوقت ..
فقرر التفاوض معهم !
فأرسلت قريش بديل بن ورقاء الخزاعي !
فقال له النبي : إنّا لم نجيء لقتال أحد ،
ولكن جئنا معتمرين ، يا ويح قريش ،
لقد أكلتهم الحرب ، ماذا عليهم لو خلّوا بيني وبين سائر العرب
، فإن هم أصابون كان ذلك الذي أرادوا ،
وإن أظهرني الله عليهم دخلوا في الإسلام وافرين !
ثم أرسلت قريش عروة بن مسعود الثقفي ،
الذي وقف مبهورا من طاعة المسلمين لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ
فعاد إلى قومه وقال : أي قوم ، والله لقد وفدت على الملوك ، على كسرى وقيصر والنجاشي
وإني والله ما رأيت ملكا يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمداً ،
والله ما تنخّم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده .
[ يقال أن الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ لم يفعلوا هذا إلا في هذا الموقف فقط ،
ليرى الكفّار مقدرا تمسّكهم بالنبي وتعظيمهم له ] !
فعادت رسل قريش كلها بلا فائدة .. لإصرار قريش ومكابرتها ..
ثم رأى نبي الله أن تكون المبادرة منه ،
فوقع اختياره على عمر بن الخطّاب ..
فقال عمر : إني أخاف قريشا على نفسي ،قد عرفت عداوتي لها ،
وليس بها من بني عدي من يمنعني ، وإن أحببت يا رسول الله دخلت عليهم ..
فلم يقل رسول الله شيئا ..
وقال عمر : ولكن أدلّك يا رسول الله على رجل أعز بمكة مني ،
وأكثر عشيرة وأمنع ، عثمان بن عفان !
فدعا رسول الله عثمان .. فقال :
اذهب إلى قريش فخبرهم أنّا لم نأتِ لقتال أحد ،
وإنما جئنا زوارا لهذا البيت معظمين لحرمته ، معنا الهدي ننحره وننصرف !
فدخل عثمان بن عفان مكة ،
فأتى أشرافها رجلا رجلا ، أبو سفيان بن حرب ، صفوان بن أمية ، وغيرهما ..
فكانوا يردون عليه : إن محمداً لا يدخلها علينا أبداً ،
وعرض المشركون على عثمان أن يطوف بالبيت
فأبى وقال : كيف أطوف قبل أن النبي !
وأدّى تأخر عثمان عن العودة إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ
إلى انتشار شائعة قتله ..
فغضب الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ
ودعا أصحابه إلى مبايعته على قتال المشركين ومناجزتهم ،
فاستجاب له الأصحاب وبايعوه على الموت
وضرب النبي ـ عليه السلام ـ بيمينه على يساره وقال : هذه يد عثمان !
وكان عدد من بايعه ١٤٠٠ صحابي ..
وقد نزلت في هؤلاء آية " لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة "
وكان عثمان بن عفان منهم ، فالنبي قد بايع بالنيابة عنه !
ثم عاد عثمان إلى الحديبية ،
ومعه سهيل بن عمرو ..
وعندما رآه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ
" قد أرادت قريش صلحاً عندما أرسلت سهيل بن عمرو "
فاتفقا على بنود الصلح التي تحمي كل من الطرفين ،
وكان فيها بعض الاجحاف للمسلمين ، لكن النبي كان يعلم أن الفتح قريب ..
وكان الفتح بعد هذا الصلح بسنتين فقط !
في هذا الصلح اتفق الطرفان على أن لا يعتدي أحدهما على الآخر لمدة ١٠ سنوات ،
وبهذا الشرط تمكن النبي من أن يدعو قبائل العرب الأخرى ، وأن يراسل الملوك
ككسرى وقيصر والغساسنة والأقباط وغيرهم ..
بعد أن ضمنت له قريش نفسها بعدم الاعتداء !
يتبع ..